القائمة الرئيسية

الصفحات

طريق جهنم (الجزء الثاني)

 طريــق جهنــم

طريق جهنم


عندما استيقظت في الصباح وجدته جالسا على السرير بجانبها... نظرت إليه وابتسمت فسألته:

"متى وصلت؟..."،

أجابها وهو ينظر لوجهها:

"وصلت بالليل، فوجدتك نائمة ولم أرد إيقاظك..."

أغمضت عينيها وتململت في السرير حتى تفكر ولا تتوتر، ثم مالت عليه وجذبته... لكنه بعد أن مرر يده على شعرها قال:

"علينا الذهاب إلى مقر المنظمة... لدي اجتماع هذا الصباح ... سأنتظرك أن تجهزي..."،

"حسنا...".

ردت عليه وهي تنهض من السرير وتتوجه إلى الحمام، بينما خرج الرئيس إلى الصالة ليجد الحراس وكان قد قام بإيقاظهم من النوم وقد انتبه إلى قارورات الشراب بالمطبخ... ما الذي يحدث؟ ... تساءل بينه وبين نفسه وهو يحاول أن يتجنب التفكير في الأسوأ...

"لا يمكن أن تخونني ... لا يمكن ...،"

لكنه يعود ويفكر في عودتها متسللة في الليل وأيضا نوم الحراس ... لا يمكن ...

استمرت الأفكار تسوء في عقله وهو ذاهب إلى مقر المنظمة، وكانت تجلس بجانبه وبيدها سيجارة كعادتها، فكان ينظر إليها بين الحين والآخر يحاول أن يسألها ثم يعود فيتوقف...

شعرت ساندي بتوتره لحظة استيقاظها، وعلمت أنه ربما عاد بالليل فلم يجدها... ولاحظت هدوءه وتردده فهي تعرفه جيدا في كل حالاته، لقد درسته جيدا... لذلك فهي تجلس بهدوء لكن عقلها يفكر في إيجاد طريقة للخروج سالمة ...

عندما عادوا للمنزل في الليل عاشرته بعنف جعلته ينسى توتره وشكه، وبعد أن نامت لم يستطع الرئيس النوم، أشعل سيجارة وجلس بجانب النافذة وهو ينظر إليها تنام في هدوء كطفل صغير، لم يظهر عليها أي توتر أو ارتباك بل عاملته كما اعتاد منها، حتى في السرير فهي تذوب بين يديه... أين كانت؟ ... ومن قابلت في ذلك الوقت المتأخر؟ ... أطفأ سيجارته وعاد للنوم بجانبها شعرت به فحضنته وكأنها تضيف الزيت إلى النار، فقد زاد توتره وحيرته.

في الصباح تركها نائمة وذهب إلى المنظمة بعد أن ترك الحراس على بابها. اتصل بصديق يثق به وطلب منه تأمين أربعة حراس مدربين جيدا على التجسس، وأمره أن يكونوا جاهزين بالليل والنهار لمراقبة ساندي وأرسل له صورتها وعنوانها، وطلب منه أن يكونوا حذرين حتى لا يشعر بهم حتى حراسها المعتادين وأن يرسلوا له كل تحركاتها، وبعدها أشعل سيجارة وجلس بمكتبه يدخن.

عندما استيقظت ساندي لم تجد الرئيس بجانبها فلم تهتم بل أسرعت واغتسلت ثم تناولت فطورها وجلست تدخن وهي تشاهد بعض الأخبار بالهاتف، وكانت قد أرسلت رسالة لفريد بالأمس وهي بالحمام، تخبره عن ما جد وتطلب منه أن يتوقف عن الحديث معها ويبقى بعيدا حتى تتخلص من المشكلة، وحتى إن رآها في الخارج بالليل فهو لا يعرفها. وكانت قد فكرت في حل لكنها تؤجل العمل به حتى لا يشك بها.

استمرت الأيام وهي ترافق الرئيس إلى مقر المنظمة وإذا لم يكن تذهب وحدها، وقد شعرت بأنها مراقبة، لكنها لم تهتم، حتى أن الرئيس حاول أن يكشفها حيث أخذها معه إلى صفقة كان يقول أنها مهمة بالنسبة له وأنه يريدها معه حتى تكون عونا وسندا له، ذهبت معه وانتهت الصفقة على خير حتى وهي تتحرك في المكان بكل حرية وتحاول إثارة شكه، فقد كانت عينيه عليها فعندما نظرت إلى هاتفها خرج قلبه من مكانه خوفا من كونها جاسوسة، وكانت تفعل ذلك حتى تعرف نواياه، وحتى تجعله حائرا ومتوترا، فهو يحبها لأنها الوحيدة التي تجعله يشعر بالسعادة، وتشعره بأنه رجل، وكان مضطربا بشكل كبير.

عندما عادوا إلى المنظمة شعر الرئيس بالهدوء والسعادة، وشكه أصبح يقل رغم عدم معرفته عن مكان تواجدها في ذلك اليوم...لكنه فكر أنه ربما شعرت بمراقبته، فعليه أن لا يخفف من حذره كثيرا، لذا أخذها معه مرات أخرى وهو شديد الحذر، حتى اطمئن قلبه من جهة، لكنه ما زال يريد معرفة مكان ذهابها، وقد علم أنها وضعت منوم للحراس، ربما كانت تفعل معه ذلك أيضا.

وجدت ساندي أن شكه من جهة أن تكون جاسوسة قد زال وأرادت أن تزيل شكه عن مكان خروجها، فتركت إلى اليوم الذي كان فيه الرئيس معها وأحضرت له الشراب، فانتبه وقرر أن يسايرها، وكان لا يشرب الشراب بل يلهيها ويفرغه، وظن أنها لم تنتبه لكنها انتبهت عليه ولم تهتم لأنها كانت تريده أن يلحق بها... بعد أن أخذته إلى السرير بقيت معه قليلا حتى غط في النوم، ثم لبست ملابسها وخرجت (مع العلم أن ملابسها السوداء التي تستعملها للقنص لم تلبسها حتى في ذلك اليوم الذي حضر الرئيس فيه، حيث كان لديها موعد مع فريد لذلك لم تكن مضطرة للبسها).

بعد أن خرجت من المنزل تسللت بمحاذاة الصور إلى زقاق قريب، ثم منه إلى زقاق آخر، ثم إلى الشارع حيث ركبت سيارة أجرة... سارت السيارة وقتا طويلا، نزلت ساندي ثم عبرت الطريق وتمشت قليلا قبل أن تدخل شارع آخر ومنه إلى زقاق وتصل إلى وجهتها... إنه ملهى، دخلت ساندي إلى الداخل وبحثت في المجالس حتى وجدت أحدهم فارغا فدخلت ثم أشعلت سيجارة ونظرت عبر الباب... طوال الطريق من المنزل وهي تشعر بمراقبتهم، حتى الآن لقد نظر أحدهم إلى الداخل ثم استمر في طريقه كأنه يبحث عن أحد يعرفه... لم تهتم لأن خطتها مستمرة...

حضر الساقي فطلبت منه إحضار مشروب لها ثم همست في أذنه فأومأ بالموافقة ثم خرج... عاد الساقي بعد قليل يحمل مشروبا في يده وفي اليد الأخرى يحمل مفتاحا، وأخبرها أن ما تحتاجه موجود بالغرفة...

بعد أن شربت مشروبها وأنهت سيجارتها حملت المفتاح وصعدت إلى فوق للغرف... فتحت باب الغرفة ثم أغلقته وهي تبتسم للشخص الموجود بالغرفة...

عندما خرجت ساندي من المنزل نهض الرئيس من الفراش، أجرى اتصال، ثم خرج بسرعة من المنزل، ركب سيارته وكان على طول الطريق يتحدث بالهاتف، حيث كان الجواسيس يخبرونه عن الطريق الذي سلكته ساندي، فكان يقود بسرعة، حتى أنه كاد أن يقوم بحادث، وعندما وصل إلى الملهى، أخبره أحد الجواسيس عن رقم الغرفة.

دخل الملهى وكان يشعر بقلبه سيتوقف من سرعة دقاته، صعد السلالم سار إلى باب الغرفة، ثم توقف وقد جالت في رأسه أسوء الأفكار، وقد أحضر مسدسه معه، تردد لكن الفضول تمكن منه، طرق الباب وانتظر قليلا فلم يفتح الباب، أدار مقبض الباب فوجده مفتوحا، لم يتردد دفع الباب ودخل الغرفة، ثم تسمر في مكانه وقد جحظت عيناه.

انتفضت ساندي واقفة عندما رأت الرئيس يدخل الغرفة، نظرت إليه بدهشة وخوف وهي تقول:

"الرئيس...."

"ما الذي تفعلينه؟ ..."

سألها والصدمة بادية على وجهه، فردت عليه:

"كيف جئت؟... أنا ... أنا سأخبرك...".

التفتت ساندي إلى الفتاة التي تنظر إليهم باستغراب وطلبت منها الذهاب، وانتظرت حتى خرجت ثم جلست على حافة السرير وقد أحنت رأسها تنظر إلى الأرض. تقدم الرئيس وجلس بجانبها وهو يقول:

"منذ متى؟..."

فهمت معنى السؤال فأجابت:

"منذ وقت طويل ... قبل أن أتعرف عليك ..."

"ألست سعيدة معي؟..."

سألها وقد بدا الحزن عليه فردت عليه:

"أنا سعيدة جدا معك ... إنها فقط نزوة تسيطر علي في بعض الأوقات ..."

"لما لم تخبريني؟ ..."،

سألها والمنظر الذي رآه وهو يدخل الغرفة ظاهرا أمامه، فأجابت:

"لأنني لم أرد أن أرى هذه النظرة في عينيك، ولم أرغب في التسبب في حزنك...".

قال وهو يقف:

"لنذهب إلى المنزل ...".

نهضت وارتدت ملابسها، لأنها كانت قد نزعت أغلبها قبل مجيئه، وقد سارت الأمور كما خططت لها، لو أنه وجدها مع رجل لقتلهم في الحين، لكن وجودها مع فتاة زعزع مشاعره وصدمه، ولم يعرف كيف يعاملها، لذلك فهو يحتاج إلى وقت للتفكير حتى لا يخسرها.

عادوا إلى المنزل، جلست ساندي على كرسي بينما استمر الرئيس في الذهاب والإياب خلفها، وهو يفكر فيما رآه، وكيف يتعامل مع الوضع، تذكر معاشرتها له، وكيف تجعله ينسى نفسه، وتذكر منظرها وهي مع الفتاة، وإذ كانت مجرد نزوة فما عساه يفعل.

جاء وجلس أمامها على كرسي الطاولة، وسألها:

"هل تلك الفتاة تصاحبينها؟..."

ردت عليه:

"كلا...، لست مرتبطة بأي فتاة ... عندما أرغب بذلك أختار فتاة أقضي معها وقتا ثم انتهى ..."

سألها وهو يمعن النظر في وجهها:

"هل يمكنك التوقف عن ذلك؟ ..."،

أحنت رأسها وعلى وجهها الحزن وهي تجيب:

"حسنا ... أنا ... أنا ..."

ثم توقفت عن الكلام، ورفعت إليه عينين يملئهما الحزن قبل أن تكمل:

"إذا أصريت على ذلك سأفعل ..."،

لم يعرف بما يجيب، حدق في وجهها الجميل، وملامحها الطفولية، وعينيها المتوسلتين إليه، وفكر أنه يعرفها منذ أزيد من سبع سنوات، حتى قبل أن تصبح مع الرئيس السابق، وأيضا عندما أصبحت معه، وأنها كانت مطيعة وجيدة معه، ولم يجد عليها يوما أي خطأ، وأن ما رآه اليوم أهون عليه بكثير من فكرة أن تكون جاسوسة للشرطة، أو تخونه مع رجل آخر، وأنها إن كانت هذه نقطة ضعفها عليه أن ينسى ما رأى ويسمح لها بفعل ما تريد، بما أنها لا تشتكي منه لأنه متزوج وأيضا لمعاشرته نساء كثر.

"اقترب طلوع النهار ... لنذهب للنوم..."

قال بعد أن خرج بنتيجة أراحته، فدخلوا السرير، عندما نام بجانبها وأغمض عينه ظهر له منظرها مع الفتاة ثم كمن يريد أن ينتقم لرجولته، انقلب فوقها وقام بنزع ملابسها وهو يقبلها بخشونة في جميع جسمها قبل أن يعاشرها، وقد وجد عندها الاستجابة له، فشعر بالاطمئنان وعندها تمكن من النوم.

اكتشف الرئيس أنه يحبها كثيرا، ولا يريد العيش بدونها، فقرر أن ينسيها نزوتها ويجعلها تحبه وحده، فكان يأخذها معه منذ الصباح حتى يعودوا معا للمنزل بالمساء، ولم يترك لها فجوة لتفكر في أي شيء، حتى الطعام كان يتناوله معها، ويأخذها إلى الفندق لتظل بجانبه في الصفقات، فكانت تلك غايتها، لأنها تعلمت الكثير، وسمعت عن شخص كانوا يلقبونه بالجحيم الصامت لأنه كان يمر كالجحيم بدون صوت، تردد اسمه كثيرا حيث قالوا أنه قادم من الخارج يحتاج إلى شحنات خاصة.

بعد عدة أيام أخذها الرئيس معه لاجتماع بالفندق، قال أنه مهم جدا بالنسبة له أن يتمم الصفقة، عندما دخلوا كان هناك السيد ناصر وبعض الأشخاص الآخرين، جلسوا يتناولون مشروبا حتى قدوم الضيف، رأت أشخاص يتحركون بالقاعة ويقفون في أماكن متفرقة، قبل أن يتقدم مجموعة من الأشخاص في اتجاههم، وقف الرئيس والرؤساء الآخرين فوقفت بجانبه، ونظرت إلى المجموعة المتقدمة جهتهم، فشد نظرها الرجل الذي يتوسطهم، لم تعد تفكر بشيء، فتحت عينيها دهشة وصدمت وهي تراه يسلم على الرئيس والرؤساء الآخرين، ثم يجلس بجانبهم.

"غير ممكن...".

قالت وقد امتلأت عيناها بالدموع، وهي تنظر إليه وتتبع كل حركاته، فشعرت برغبة في احتضانه، والبكاء على صدره.

غرقت في تفكيرها ولم تنتبه إلى أنه رآها وهي تنظر إليه ولم تزح نظرها عنه، كما لمح النظرة الغريبة على وجهها، لم يراها عندما دخل القاعة أول مرة، لأنه انتبه عليها أول شيء، لجمالها، واستغرب وجودها بين هؤلاء الأشرار.

كان الرئيس يتحدث إليه وقد رأى أنه ينظر إلى حبيبته فشعر بالغضب والقلق، وخاف أن يرغب بها، فهو يريد العمل معه بدون مشاكل. لذلك وحتى يظهر تملكه لساندي، وضع يده على كتفها وقربها منه، وهو يقدمها إلى الجحيم الصامت:

"إنها ساندي حبيبتي وقرة عيني ..."،

أومأ الجحيم الصامت بالسلام عليها بينما عيناه تبحث عن عينها، وهو يتساءل هل سبق له رؤيتها في مكان ما، لأنها تشعره بالألفة، ابتسمت له ثم نظرت إلى الرئيس لأنها شعرت بتوتره، وحتى لا تتسبب في توتر الجو بينهم، استأذنت منه وخرجت إلى الحمام.

دخلت الحمام فلمحت التعبير على وجهها، صدمت، لأنها أظهرت على وجهها ملامح غريبة، كأنها ليست هي، حاولت أن تجمع شتات نفسها، دخلت امرأة كبيرة تقود عربة التنظيف إلى الحمام، فأرادت ساندي الخروج حتى تسمح لها بالتنظيف، لكنها اعترضت طريقها، رفعت ساندي عينيها لتنظر إلى المرأة وقالت:

"سأخرج، يمكنك التنظيف ..."،

لكن المرأة وضعت العربة أمام الباب، وتقدمت منها حتى وقفت أمامها:

"هل تحتاجين شيئا؟..."،

سألت ساندي وهي تنظر إلى وجه المرأة، التي أمسكت بها وهي تقول:

"إنه أنا فريد...، كيف حالك؟ ..."،

فتحت ساندي عينيها استغرابا، فإن لم يتحدث لن تعرفه أبدا، ابتسمت وقالت:

"إن لم تتحدث لن أتعرف عليك ... أنا بخير..."،

قالتها وهي ترتمي في حضنه، لقد اشتاقت إليه كثيرا، كما أنها الآن تحتاج إليه أكثر. عانقها فريد وقد لاحظ توترها وقلقها، فقال:

"ما الذي يقلقك؟...، هل حدث شيء؟..."،

سألت:

"لا، ما الذي تفعله هنا؟..."،

أجابها:

"أنت تعلمين أنه في أي مكان يوجد به صفقات تجدينني..."،

"هل تعلم بالاجتماع؟..."

سألت مستغربة، فأجابها:

"طبعا أعلم ...، كما أن هناك ضيف جديد من الخارج انظم إليهم..."،

سألته ساندي:

"أتعرف من يكون؟..."،

أجابها:

"لا نعلم عنه أي شيء، سوى بعض الإشاعات..."،

ثم أكمل:

"كنت سأسألك عنه...".

ردت عليه:

"لم أسمع به، إنها المرة الأولى التي أراه...".

رغم معرفتها له لم ترغب في أن تتحدث عنه، لأنها تحتاج أن تستوعب أولا، فهي للآن لا تعرف فيما تفكر.

ودعت فريد، وذهبت إلى القاعة، لأنها كانت تريد أن تراه أكثر، وكان اجتماعهم قد انتهى، تقدمت إلى الرئيس تقف بجانبه، وكان الجحيم الصامت بجانبه، ابتسم لها ثم استمر في حديثه، بينما الرئيس أمسكها من كتفه وقربها منه كأنه يعلن للجحيم أنها ملكه.

عند تقديم العشاء جلس الجحيم الصامت أمامها، فكان يتحدث مع الرئيس قبالته لذلك كانت تلتقي نظراتهم بين الحين والآخر، فرأت الحيرة في نظراته،

"هل تعرف عليها؟..."

عندما أوصلها الرئيس إلى منزلها، عاد إلى زوجته، اغتسلت وتمددت عل السرير وصورة الجحيم الصامت أمامها، فكرت:

"لماذا هذا الاسم؟...، الجحيم الصامت...، إنه اسم غريب، وماذا يفعل بين العصابات؟...".

شعرت ساندي بالحزن الشديد، كيف بإمكانها أن تقاتله، فأهون عليها لو أنه مات على أن يكون فردا من العصابة. الآن جاء ليتفق على صفقة، كيف يمكنه ذلك؟...

نزلت الدموع من عينيها، فلم تستطع النوم، فخرجت من السرير إلى الشرفة حيث أشعلت سيجارة تدخنها وهي تنظر إلى الخارج، ولأنها كانت حزينة، لم تنتبه للشخص في السيارة المتوقفة في الأسفل يراقبها، بقيت كذلك حتى طلع النهار، حين طرق الحراس الباب، فتحت لهم وأخبرتهم أنها ستبقى بالمنزل، ثم اتصلت على الرئيس وأخبرته أنها متعبة وستقضي اليوم في المنزل، ثم دخلت الفراش ونامت.

أيقظها الرئيس من نومها حيث كانت تصرخ، لقد كانت تحلم حلما مزعجا، ربما لأنها نامت بالنهار، لكن الحلم كان سيئا جدا، نظرت إلى الرئيس وهو يبدوا عليه القلق فقال:

"هل أنتي بخير؟ ...،"

قالها وهو يضع يده على جبينها، فقطب حاجبيه وهو يقول:

"إن حرارتك مرتفعة ...، سأحضر الطبيب"،

أوقفته ساندي وهي تقول:

"لا تفعل...، أنا بخير...، سأتناول خافض حرارة وأصبح بخير..."

قالت ذلك وهي تستقيم جالسة، تناول الرئيس منشفة وبدأ يضعها على وجهها وعنقها يمسح عن العرق الذي تصبب عليها، ثم ناولها كأس ماء، وبعد أن هدأت أحضر لها الطعام تناولته، ثم شربت خافض حرارة وعادت للنوم.

نامت طيلة الليل وفي كل مرة كانت تستيقظ لتجد نفسها تتصبب عرقا وكانت وحدها لأن الرئيس اطمئن عليها ثم رحل لأنه سيسافر في الغد، وفي الصباح بعد أن استيقظت كانت حرارتها مرتفعة، دخلت الدش اغتسلت وارتدت ملابسها، ثم حاولت الخروج، لكن صحتها خانتها فوقعت على الأرض غائبة عن الوعي.

كان الرئيس قد أوصى الحراس على الاطمئنان عليها، لذلك عندما دخل الحارس لتفقدها وجدها ممدة على الأرض، ولأنه لا يملك رقم الطبيب، حاول الاتصال بالرئيس فلم يتمكن فقام بالاتصال بالإسعاف لأخذها إلى المستشفى.

استيقظت ساندي على يد تتحسس وجهها، فتحت عينيها لتجد وجها مألوفا يجلس بجانبها، قطبت حاجبيها ونظرت للغرفة ووجدت نفسها بالمستشفى، فحاولت الجلوس:

"هل تشعرين بخير؟..."

لم تجب ساندي لأنها لا تعرف حقا كيف تشعر، أمسكت يده بين يديها وقد ظهر الحزن على وجهها الجميل، فشعر فريد بالقلق وهو يقول:

"ما الذي حدث؟ ..."

رفع وجهها لينظر في عينيها التي حاولت أن تخفيها بالنظر إلى يديه:

"أخبريني ...، لقد اتفقنا على أن تخبريني أي شيء..."،

لم تعرف ما تقول، كيف ستخبره إن كانت هي مازالت لم تستيقظ من الصدمة، كيف ستخبره أن عالمها انهار بين ليلة وضحاها...، كيف ستخبره أن الأمل الذي كانت تحيى من أجله فقد....، وأنها تشعر بالضياع ...، شعرت بالدموع تحرق عينيها وكان فريد ينظر إليها وعندما رآها كذلك أخذها في حضنه ومسح على رأسها وظهرها وهو يقول:

"يمكنك البكاء...".

نزلت الدموع من عينيها بسرعة كأنها كانت تنتظر إذنه، بكت كثيرا حتى شعرت بالتعب، فدخلت في السرير، ساعدها فريد ورفع الغطاء عليها، وجلس بجانبها حتى نامت.

عندما التقى بها في حمامات الفندق رأى شيئا مختلفا بها، حتى فرحتها برؤيته كانت مختلفة، شعر بها متوترة وشغلت تفكيره، وفي الصباح لم تظهر في المنظمة ولا في الفندق فخاف أن يصيبها مكروه، لذلك حاول بكل جهده حتى علم أن الرئيس سيسافر فأرسل من يراقبه وبقي هو أمام المنزل ينتظر خروجها حتى رأى سيارة الإسعاف، فجن من القلق، رأى الحراس يلحقون بها فسارع خلفهم، استعلم من الطبيب عن حالتها، كان يخاف أن تكون مصابة بكدمات أو شيء خطير آخر، لكن الطبيب أخبره أنها في صدمة، وتحتاج إلى بعض الراحة وبعدها ستكون بخير، هناك لبس ملابس الطبيب ودخل عندها إلى الغرفة، حتى لم يهتم بالحراس الذين وقفوا أمام بابها.

الآن وهو ينظر إليها نائمة بعد أن بكت كثيرا، حتى أنها لم تخبره بأي شيء، لكنه قلق جدا، "صدمة..."، ما الشيء الذي سيصدمها، وما يعرفه عنها أن لا شيء مهم في حياتها غير انتقامها، هل صادفت حادث أمامها صدمها؟...

ظلت أسئلة كثيرة تدور برأسه عندما سمع حديث الحراس خلف الباب، هناك أحد يريد الدخول ويتحدث معهم، من يا ترى؟... سارع للخروج لأن الحراس يعلمون أنه هناك، فصادف الجحيم الصامت من يحاول الدخول، خرج هو من الغرفة فابتعد الحراس عن الباب ثم دخل الجحيم الصامت.

"لماذا جاء؟... ماذا يريد؟ ..."

تسارعت الأسئلة لرأسه، فدخل الغرفة المحاذية التي كانت فارغة، أغلق الباب واقترب من الحائط يحاول الاستماع.

جلس الجحيم الصامت على جانب السرير وهو ينظر إلى الفتاة الممدة عليه، لقد أعجب بها كثيرا، فهي جميلة وهادئة، كما أنه يجد بها ألفة غريبة، كأنه يعرفها من مكان ما، مد يده ليمررها على شعرها حين رن هاتفه إنه الرئيس:

"مرحبا..."

"مرحبا... كيف حالها؟ ... هل وصلت عندها؟..."

سأل الرئيس بلهفة، لقد جن جنونه عندما علم بمرضها، لكنه كان بعيد جدا عنها، ولديه عمل مهم، حينما اتصل به الحارس ليخبره بمرضها، وأيضا أن الجحيم الصامت سأل عنه وعن السيدة، وعندما علم بمرضها أخبرهم أنه سيقوم بزيارتها، فشعر بالقلق منه لكنه ارتأى أن يسأله دونا عن الحراس حتى يعلم أنه يعلم بزيارته لساندي.

"إنها نائمة...، لكن الطبيب قال أنها ستكون بخير ..."،

أجاب الجحيم الصامت وعيونه مركزة على وجهها، فرد عليه الرئيس:

"حسنا ... شكرا لك على زيارتها ...".

قالها كمن يقول له انتهت الزيارة يمكنك الذهاب، أقفل الجحيم الصامت الهاتف، تمعن قليلا في وجه ساندي ثم خرج، ولقد اتصل الرئيس بأحد الحراس الذي أكد له رحيل الجحيم الصامت.

 عندما استيقظت ساندي أصرت على خروجها خصوصا عندما علمت بزيارة الجحيم الصامت، وقررت الراحة في المنزل، وأيضا لم ترغب برؤية فريد لأنها لا تستطيع أن تخبره عن سبب حزنها.

بقيت في المنزل لأكثر من أسبوع تنتظر عودة الرئيس، الذي لم يسبق له أن تأخر عن زيارتها وخصوصا بعد علمه بمرضها، لا بد أن هناك عائق منعه من الحضور، شعرت بالقلق أكثر بعد أن رأت زيادة في الحراسة عليها، سألت أحد الحراس الذي قال:

"أمرنا الرئيس بذلك..."،

قالت ساندي:

"وأين هو؟... لماذا لم يحضر؟..."

فأجاب الحارس:

"لا أعلم أين هو...".

خرجت ساندي لمقر الجمعية، وبينما هي بالطريق شعرت كأنها تحت المراقبة، فظنت أنهم ربما الحراس الذين أضافهم الرئيس لحراستها، لكن فجأة اعترضت طريقهم سيارة كبيرة أوقفتهم وسط الطريق، فحاول الحراس حمايتها، لكن الأشخاص الذين نزلوا من السيارة الكبيرة كانوا كثر ومسلحين، وجهوا الأسلحة عليهم، فلم يتمكن الحراس من حمايتها، حيث وصلوا إليها ووضعوا السلاح على رأسها، وأخذوها معهم، وفي نفس الوقت كان هناك هجوم على مقر الجمعية حيث تم إشعال النار بها.


نهاية الجزء الثاني

Comments

1 comment
Post a Comment

Post a Comment

إذا كان لديك أي تعليقات لا تنسى أن تشاركها معنا.